صدر في ألمانيا قانونا جديدا يزيد من فرص الاعتماد على الرعاية الصحية الرقمية والعلاج عن بعد في البلاد. تمثل تطبيقات الرعاية الصحية، المحادثات مع الأطباء عبر الفيديو، وقاعدة البيانات الالكترونية أمثلة من بعض الابتكارات التي يمكن للمرضى توقعها في المستقبل القريب. ولكن ليس للجميع نفس الرأي، فبعض الأطباء والمرضى أبدوا تحفظاتهم حول أمن البيانات وخصوصية المرضى.

jeune femme et smartphone sm

تعد ألمانيا دولة رائدة من حيث الابتكار في مجال التقنية الطبية والعلاج. ولكن حين نتحدث عن التحول الرقمي، فهي لازالت تحاول اللحاق بالركب. فبينما تمتلك دولا أخرى قواعد بيانات مركزية للرعاية الصحية، وبطاقات تأمين صحي اليكترونية وفرصا واسعة للعلاج عن بعد، لاتزال ألمانيا في بداية الطريق لإدخال هذه الإجراءات إلى نظامها الصحي، وهو أمر لا يسعد الجميع. يتحفظ المجتمع بشكل كبير فيما يتعلق بخصوصية المواطنين، وأبدى أطباء ألمان شكوكهم في الفدرة على حماية تلك البيانات في مجال الرعاية الصحية، خصوصا في ضوء الهجمات الالكترونية التي انتشرت مؤخرا.

من أجهزة تتبع اللياقة البدنية إلى أجهزة التشخيص: صعود تطبيقات الرعاية الصحية

يستخدم نصف الألمان تقريبا معطيات الرعاية الصحية الإلكترونية، سواء أدركوا ذلك أم لا. وفقا لاستطلاع حديث للرأي، فإن الثلث تقريبا استقبلوا الوثائق الطبية في صورة إلكترونية، مثل القرص المدمج، و18% حددوا موعدا مع الطبيب عبر الإنترنت. الإضافة إلى ذلك، فإن 45% استخدموا تطبيقا واحدا على الأقل للياقة البدنية.

إن عددا وفيرا من تطبيقات الصحة واللياقة يتوافر حاليا، ويتم تطوير المزيد طوال الوقت. هناك تطبيقات لمتابعة العناصر اليومية المرتبطة بالصحة مثل النوم، ممارسة الرياضة والتغذية، وكذلك للتحكم في الأمراض مثل السكر، ولتشخيص سرطان الجلد وتمييز الأقراص بالشكل الخارجي. يمكن لمستشعرات إضافية أن تحول هاتفك الذكي إلى أداة تشخيص: بتكلفة 200$، يمكنك شراء مستشعر لهاتفك يقوم بإجراء رسم قلب كامل بمستوى رسم القلب في المستشفيات لتشخيص مشاكل معينة في القلب.

بطبيعة الحال، لن يتمكن من قراءة نتائج رسم القلب وتحديد ما إذا كان المريض يعاني اضطرابا بسيطا في القلب أم يواجه أزمة قلبية مميتة سوى اختصاصي طبي مدرب. ولكن مع تطور الذكاء الاصطناعي والمصفوفات التي تعتمد عليها الأجهزة الالكترونية، فإنه من الممكن أن تصبح تلك الأجهزة قادرة في المستقبل على تشخيص المشاكل الطبية.

قد تستطيع الأجهزة الالكترونية تشخيص بعض الأمراض أفضل من البشر

يعمل المطورون في الواقع على اللوغاريتمات والروبوتات التي يمكنها إجراء الفحص الطبي. لقد تمكن روبوت جوجل بالفعل من تشخيص زيكا، كذلك بعض اللوغاريتمات أظهرت دقة أكبر من البشر فيما يتعلق بتشخيص مشاكل طبية محددة. قد تصبح الروبوتات قادرة على توفير الوقت لكل من الأطباء والمرضى، حيث يمكن للأطباء قضاء وقت أقصر في الإجابة على أسئلة المرضى ووقت أطول في تقديم العلاج، كذلك لن يحتاج المرضى للتأقلم مع أوقات الانتظار الطويلة للحصول على الاستشارة الطبية.

ولكن، لا يمكن اعتبار الروبوتات والتطبيقات بديلا عن الخبراء الطبيين المدربين-على الأقل ليس بعد. من بين كافة تطبيقات الرعاية الصحية المتوافرة اليوم، تمتلك نسبة ضئيلة أي نوع من الشهادات أو الاعتماد الرسمي. و بينما تبدو بعضها عديمة الضرر، مثل النصائح الغذائية ومتتبعات اللياقة، قد لا يكون البعض الآخر -مثل ذلك التطبيق الذي يدعي القدرة على تشخيص سرطان الجلد بتحليل صورة فقط – بنفس الأمان. تحتاج تلك العروض الإلكترونية إلى تنظيم وإلى اعتماد رسمي قبل أن تعامل بجدية كأدوات تشخيص طبي. وعلى نفس المنوال، فإن القدر الضخم من المعلومات الصحية المتوافرة على الإنترنت غير منظم. فبينما يمكن للمعلومات الإلكترونية أن تكون مفيدة للمرضى لتثقيف أنفسهم قبل موعد الطبيب، تبدو معظم المعلومات المتوفرة على الإنترنت خاطئة، غير كاملة أو مضللة. لو لم تصدر المعلومات عن مصدر موثوق، فقد يكون ضررها أكبر من نفعها- وهذه مخاطرة لا يحتاجها معظم الناس حين تكون صحتهم على المحك.

كذلك فإن لتطبيقات اللياقة البدنية والأجهزة القابلة للارتداء جوانب سلبية أيضا. لا ينتبه الكثير من الناس لتلك الحقيقة حين يقومون بتسجيل بياناتهم ليتمكنوا من استخدام تلك التطبيقات، ولكن العديد منها يخزن بيانات المرضى،  وهذه المعلومات قد لا يمكن محوها لاحقا. القليلون هم من يتخذون احتياطات  كافية لتثقيف أنفسهم فيما يتعلق بأمن بيانتهم عند تحميل تطبيق ما. وحتى حين يوضح التطبيق في الشروط والأحكام أن بيانات المستخدم يتم محوها، أو أن تلك البيانات خفية أو محمية، فإن المستخدم لن يكون آمنا بشكل تام من الهجمات الإلكترونية والقرصنة.

العلاج الطبي عن بعد: ألمانيا تخفف من صرامة القوانين الحاكمة للعلاج عن بعد

حتى وقت قريب، كان العلاج عن بعد في ألمانيا أمرا محظورا. كان الحصول على تشخيص طبي يستلزم القيام بزيارة إلى الطبيب، حيث يبقى المريض عادة منتظرا لوقت طويل، وفي بعض الحالات يحتاج إلى القيام برحلات طويلة للوصول إلى العيادة. يتيح العلاج الطبي عن بعد فرصا جديدة للعلاج. لقد أصبح بمقدور للمرضى الآن مناقشة الأعراض التي يعانون منها مع الطبيب وتلقي نصائح العلاج من خلال محادثة الفيديو، إذا ما كان الطبيب يعرف المريض والتقى به فعليا من قبل. يوفر هذا الأمر الوقت ويتيح الفرصة لعلاج المرضى الذين يعيشون في المناطق النائية، وكذلك المرضى في شتى أنحاء العالم الساعين للحصول على استشارة طبية في ألمانيا. قد يصبح المرضى في المستقبل قادرين على تشخيص أنفسهم بواسطة هواتفهم الذكية، وإرسال المعلومات فورا إلى الطبيب (أو روبوت تشخيصي)، وتلقي النصائح المتعلقة بالعلاج بسرعة أكبر بكثير مما هو متاح الآن.

قواعد البيانات البحثية وملفات المرضى على الإنترنت

يلزم القانون الألماني الجديد للرعاية الصحية الأطباء بإدخال معلومات المريض إلى قاعدة بيانات مركزية ضخمة يستطيع الباحثون الوصول إليها. قد يؤدي هذا إلى تطور كبير في العلاج الطبي حيث يستطيع الباحثون تحليل قدر أكبر من المعلومات الواقعية أكثر بكثير من ذي قبل. علاوة على هذا، يشترط القانون إصدار ملفات رقمية للمرضى، يتم فيها تسجيل التاريخ الطبي الكامل للمريض في مكان واحد. سيسهل هذا الأمر مشاركة المعلومات، نحديدا، حين يقوم المريض بتغيير المستشفى المعالج، أو يقوم بالتغيير من الممارس العام إلى طبيب أخصائي، أو يسعى للحصول على رأي طبي آخر.

 

أمن البيانات: خطر أمني أم علامة للجودة؟

لايزال بعض الناس غير مقتنعين بوجود حماية كافية للبيانات للحفاظ على خصوصية المرضى. يجب أخذ هذا في الاعتبار عند تطبيق العروض الرقمية في قطاع الرعاية الصحية. يهتم الألمان كثيرا بمسألة الخصوصية، لهذا يتوقع بعض الخبراء أن تكون حماية البيانات هي حجز الزاوية في مسألة الرعاية الصحية الإلكترونية في ألمانيا. حين تمتلك ألمانيا نظام حماية فائق في نظام الرعاية الصحية، ستكون تلك النقطة ميزة تنافسية فريدة بالنسبة للناس الذين يبحثون عن العلاج من خارج ألمانيا. لقد كان شعار "صنع في ألمانيا" علامة للجودة في السابق، وفي المستقبل، يمكن أن يصبح هذا الشعار "آمنا بحماية ألمانية".